قصة برنارد مادوف، الذي يُعتبر مدبّر أكبر عملية نصب مالي في التاريخ، هي قصة مزيج من الذكاء الخادع والثقة المُساء استخدامها والتداعيات المأساوية التي طالت آلاف الضحايا. إليك تفاصيل القصة:
### **1. النشأة والبدايات**
وُلد برنارد لورانس مادوف في 29 أبريل 1938 في نيويورك لعائلة يهودية متوسطة الحال. بدأ مسيرته المالية في سن 22 عامًا بإنشاء شركة "برنارد إل مادوف للاستثمار في الأوراق المالية" عام 1960 بمبلغ 5000 دولار جمعها من عمله في وظائف صيفية مثل تركيب رشاشات الحد
ائق. بمرور الوقت، أصبحت شركته واحدة من أكبر الشركات في وول ستريت، وتولى منصب رئيس بورصة ناسداك في التسعينيات، مما منحه سمعة طيبة وجذب المستثمرين .
### **2. مخطط "بونزي" الاحتيالي**
ادّعى مادوف أنه يستخدم استراتيجية استثمارية تسمى **"تحويل الضربات المنقسمة" (Split-Strike Conversion)**، والتي تضمن عوائد ثابتة تتراوح بين 10% إلى 20% سنويًا بغض النظر عن ظروف السوق. لكن في الواقع، كان يدير **مخطط بونزي**، حيث كان يدفع عوائد للمستثمرين القدامى من أموال المستثمرين الجدد دون استثمار حقيقي. استمر هذا الاحتيال لأكثر من 17 عامًا (وربما أطول)، وبلغت قيمته حوالي **65 مليار دولار** .
### **3. انهيار الخدعة**
انهار مخطط مادوف خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، عندما حاول المستثمرون سحب حوالي 7 مليارات دولار ولم يتمكن من تغطية المطالبات بسبب نقص الأموال الجديدة. في ديسمبر 2008، اعترف باحتياله أمام ابنيه (مارك وأندرو)، اللذين أبلغا السلطات. تم اعتقاله في اليوم التالي، وتجميد أصوله .
### **4. الضحايا والخسائر**
- تضرر أكثر من **37,000 مستثمر** من 136 دولة، بما في ذلك أفراد عاديين مثل المدرسين والمزارعين، ومشاهير مثل الممثل كيفين بيكون والمخرج ستيفن سبيلبرغ (الذي خسرت مؤسسته 15.2 مليون دولار) .
- خسرت بنوك كبرى مثل **HSBC** (1.5 مليار دولار) و**رويال بنك أوف سكوتلاند** (400 مليون جنيه) و**BNP Paribas** (469 مليون دولار) .
- انتحر بعض الضحايا بسبب الخسائر الفادحة، كما انتحر ابنه مارك في 2010 بسبب العار، وتوفي ابنه أندرو بالسرطان في 2014 .
### **5. المحاكمة والنهاية**
في مارس 2009، أقر مادوف بالذنب في 11 تهمة تشمل الاحتيال وغسل الأموال. في يونيو 2009، حُكم عليه بالسجن **150 عامًا**، وهو أقصى عقوبة في القانون الأمريكي. توفي في السجن في 14 أبريل 2021 عن عمر 82 عامًا بسبب قصور كلوي، بعد أن رُفض طلبه للإفراج المبكر لظروفه الصحية .
### **الدروس المستفادة**
- **إساءة استخدام الثقة**: استغل مادوف ثقة المستثمرين بسمعته كرئيس سابق لناسداك.
- **غياب الرقابة**: فشلت الجهات التنظيمية مثل **هيئة الأوراق المالية (SEC)** في كشف الاحتيال رغم التحقيقات المتكررة منذ 1992 .
- **الطمع والعوائد غير الواقعية**: جذب الضحايا بعوائد ثابتة وغير منطقية في ظل تقلبات السوق.
قصة مادوف تبقى تحذيرًا صارخًا من مخاطر الاستثمار دون شفافية، والقوة المدمرة للجشع والخداع.
تعليقات
إرسال تعليق